بحث جدير بالاهتمام لاغاني السيرة للباحث د/ احمد القرشي
اغانى الحماسة في السودان والتي يطلق عليها اغانى السيرة أو الدلوكه ضرب من ضروب الشعر الغنائي الشعبي القديم ارتبط بأشخاص أو جماعات قبلية وفى معظم الأحيان بمواقف بطولية حدثت أثناء النزاعات والحروب التي كانت سائدة في القرون الماضية وهى أشعار تمجد الأخلاق الفاضلة والقيم الحميدة والشيم السمحة من كرم وشهامة وشجاعة وتضحية وإيثار ، ولهذه الأشعار تأثير كبير في إزكاء الروح القتالية وإلهابها وشحذ الهمم وحث الرجال على الثبات في المعارك ومقاتلة الأعداء وإدخال الحماسة إلى قلوبهم في وقت الحروب والشدائد ، وهي تطرد الجبن من القلوب الوجلة وتزيل عنها الخوف وتبث فيها الحماس والنخوة والشجاعة مما يجعل الممدوح يبلى بلاءاً حسنا وقت الشدائد والكروب ، بل في بعض الأوقات ترافق (الحَكَّامه) المقاتلين مرددة أشعارها الحماسية مما يعنى أن لهذه الأشعار رسالة تحريضية تحث الناس على القتال والثبات في وجه العدو ، فالإنسان بطبعه يحب المدح ويكره الذم ، والنبيل دائما ما يسعى لأن يكون عند حسن الظن لايخذل من امتدحه مهما كان الثمن باهظا حتى لوكان بذل المُهَج سيما وان معظم شعراء تلك الاغانى كن من النساء ، والرجل بطبعه في ذلك الوقت يسعى أن يكون من ذوي الحظوة عند عامة النساء نائلا إعجاب الفتيات برجولته وقوته وصبره على المكاره وتحمله للألم وشدته وثباته ، ولا زال بعض الرجال يعمل على إظهار قوتهم وشجاعتهم وجَلَدِهِم من خلال الجلد بالسياط أثناء حفلات الزواج وهي تقليد منتشر في كثير من نواحي السودان. ولقد وصف الأستاذ محمد عبدالرحيم في كتابه نفثات اليراع الإنسان السوداني ( بأنه قريب الانفعال شديد التأثر تستطيع أحيانا أن تحرك أعصابه بقليل من التحريض ممزوجا بقليل من التحميس ولا سيما إذا كان موتورا فهو ساعتئذ يلتهب كالنار وينطلق كالسهم مضحيا بكل شئ تحت تأثير ما سمع من تحريض وإغراء ... انتهى ) ولكنى أقول إن البعض لم يكن موتورا لكنه مضحيا بنفسه تحت تأثير أغانى الحماسة أو إيمانه بقضيته وربما لو استخدم الأستاذ المؤرخ محمد عبدالرحيم كلمة (متهور) عِوضاً عن (موتور) لكان الوصف أدق .
ومن الأمثلة التي يمكن إيرادها لمعرفة دور شعر الحماسة في التحريض ما ذكره الأستاذ محمد محمد على في كتابه ( الشعر السوداني في المعارك السياسية ) ، إن إسماعيل باشا بعد أن استقر بدنقلا أرسل إلى الشايقية كيما يسلموا أنفسهم وأسلحتهم وخيلهم كما فعل غيرهم فأجابوه بأنهم مستعدون أن يدفعوا ضريبة أو اتاوة أما تسليم الخيل والسلاح فلا ، ولكن إسماعيل لم يرتاح لهذا الرد وبعث إليهم بخطاب آخر يقول فيه إن والده يريدهم شعبا يفلح الأرض ولايريد منهم أن يحملوا السلاح فأمسك ملكهم الخطاب وجلس على الأرض ينظر في الأمر ، إنهم لم يتعودوا الخضوع بهذه الصورة ، فقد رفعوا عنهم أيدي ملوك سنار وملوك العبدلاب وهزموا المماليك وقذفوا بهم جنوبا (السودان عبر قرون لمكي شبيكة ) ولكن أين قوة سنار وملوك العبدلاب وأين عدد المماليك من هذا الجيش الجرار ؟ إنهم الان لا يلاقون رجالا يحملون السيوف والرماح والتروس ، وإنما هي قنابل تنصب عليهم من أفواه البنادق والمدافع من حيث يعلمون ولا يعلمون (كتاب الشعر السوداني في المعارك السياسية لمحمد محمد على ) .
ولكن الشاعرة مهيرة بنت الشيخ عبود لم تدع للملك فرصة للتروي وإعمال الرأى بل وقفت على رأسه وصاحت ...
الليلة العقيد في الحله متمسكن .... في قلب التراب شُوفنُّ متجكّن
الر َّاى فاقدُ ولايدرك ولايمكن .... لا تتعجبن ضيم الرجال بمكن
والأبيات تعنى أن رئيس القوم ، على غير عهدنا به ، فقد ظهر في الحِلة مسكينا وجلس على التراب متداعيا خائرا فانظرن إليه يا بنات لقد فقد الرأي وهو لا يدرك شيئا ولا يبرم أمرا ، ولا تتعجبن يا بنات إنه أحس بالضيم والعجز ، ويدور توبيخها اللاذع في صدور الرجال وكأنه شلال من نار ، ولكن العقيد ما يزال ملتصقا بالأرض وهم ينتظرون أمره، وتدنو منه الشاعرة وتصيح فيه بنغمة لم تألفها أذنه من قبل ...
أكان فرّيت يا رفاقتنا ..... أدونا الدّرق هاكم رحاطتنا
إن أردتم الفرار فهاتوا أسلحتكم وآلة حربكم وهاكم مآزر العذارى ولتخرج النساء بدلا عنكم للقاء الأعداء والدفاع عن الأرض والشرف
وهنا لم يطق العقيد صبرا فنهض وقفز على ظهر حصانه الأغر وقاد جحافل الشايقية إلى لقاء النار ، وركبت الشاعرة هجينا وسارت أمام الجيش تغنى في حماسة ونشوة ....
الليله استعدُّوا وركبوا خيل الكر .... وقدّامن عقيدن باللّغر دفر
جنياتن العزاز الليله تتنتر ...... ويا الباشا الغشيم قول لي جدادك كر
في هذا الجو الحماسي دارت معركة كورتى الشهيرة وكانت الغلبة للسلاح الناري الفتاك . ( المصدر .. الشعر السوداني في المعارك السياسية تأليف محمد محمد على )...
سيد محكر الديوان
وفي رواية أخرى
في محكر الديوان
هذه القصيد كتبت في الحسن ودضبعة شقيق عمدة الجوير عبدالله ودضبعة غرب شندي .. كان رجل قارح وفارس وشهم وكريم وفارس القرية .....
نص القصيدة
سيد محكر الديوان ثابت يا أب قلب
تقابة لي النيران وين متل الحسن
الحسن يا الحسن غنيتّا ليك بي قياس
صنديد لي الولايا ولي الدموع قشاش
يا مطر السواري الماك هبوب ورشاش
حنكو البليغ خلوهو يتحدث
سيد زيناً قبيل قبل الناس تعرف الناس
سيد أصلاً قديم من الحمزه والعباس
الحسن والحسن في عايلة ماتسمّا
ضباح الربايب سيد القدح لمّا
دالي وبرمكي وببرّد حشا العمّا
دا ولادة النجاح الما بتدرك البلما
شوف عيني التساب الفوق البلد عمّا
ود ضبعة التساب الفوق البلد عمّا
أناغنيت بولف ليك
ياالدابي العُشاري وزي الشرار عينيك
خبرك بندقية
تلب يا الصقر توّر الرخم مني
الحسن يا الحسن دوم بغني لِي
تمساح جلقني وزي الشرار عيني
ما شال بندقية وقال بتحميني
تلب يا الصقر تور الرخم مني
.............................
يقال في مرة وكانت الفنانة حميرا بت كبوشية بتغني في هذه الأغنية ولما جات في البيت الأخير صارت تكرر ( تلب يا الصقر وتوّر الرخم مني )
فنالت عكاز من واحد وقال لها نحن الرخم يا السجم
قرب يودرها ورقدت إسبتالية